الجامع الحنفي بزغوان

  • مدينة زغوان

الجامع الحنفي بزغوان

 

يُعتبر الجامع الحنفي بزغوان من أبرز المعالم الدينية والتاريخية بالمدينة، ويقع في قلب المدينة العتيقة، غير بعيد عن معبد المياه الروماني الشهير. ويكتسي هذا الجامع أهمية خاصة باعتباره شاهدًا على الحضور العثماني في الجهة، وما حمله من ملامح فنية ومعمارية تعكس تمازج التقاليد المحلية بالأسلوب العثماني.

السياق التاريخي

شُيّد الجامع خلال النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، في فترة بروز النفوذ العثماني بالبلاد، وهو بذلك يختلف عن بقية الجوامع المالكية القديمة في المنطقة. وقد أُنشئ ليكون جامعًا للحنفيّة -المذهب الرسمي للدولة العثمانية- فكان بذلك مركزًا للعبادة والتعليم ونشر العلوم الشرعية على المذهب الحنفي.

وقد بناه المرحوم أبو الحسن علي خوجه بن عبد الله التركي المقاطعجي، آخر شهر ذي الحجّة سنة 1030 للهجرة الموافق لــ أواخر أكتوبر وبداية نوفمبر 1621 م، وهو ثاني جامع حنفي بُني بالبلاد التّونسيّة، الجامع الأوّل كان جامع يوسف داي بالحاضرة تونس. عاصرأبو الحسن علي خوجة بن عبد الله التركي المقاطعجي، فترة حكم عثمان داي وفترة حكم يوسف داي وكان مسؤولا عن تزويد حضائرهم بحجارة البناء.

وقد بيّنت لنا الوثائق المتاحة نشاطه المذكور بزغوان وامتلاكه لهنشير عين هارون الذي هو في الحقيقة جزء كبير منه عبارة عن جبل حجارة استُغلّ كمقطع لتقليع حجارة البناء حتّى تاريخ متأخّر من القرن العشرين.

كان علي خوجة من سكّان الحاضرة تونس، وحضوره بزغوان كان لأجل عمله المذكور ولم يمنعه هذا من بناء دار وجنان بجانب الجامع.

الخصائص المعمارية

• يتكوّن الجامع من صحن فسيح محاط بأروقة، يتقدمه بيت صلاة مستطيل.

• يتميّز بيت الصلاة بسقفه المستوي المدعوم بعقود وأعمدة، وتعلوه في الوسط قبّة صغيرة فوق المحراب.

• المحراب بسيط التكوين، تزيّنه بعض العناصر الجصية والنقوش الهندسية.

• المئذنة ذات طابع عثماني، مربّعة القاعدة لكنها ترتفع بشكل رشيق وتنتهي بشرفة وهرم صغير، وهو أسلوب متمايز عن المآذن المالكية ذات الطابع المغربي-الأندلسي.

• تظهر في تفاصيل البناء مواد محلية من حجر وجص، مع لمسات زخرفية متأثرة بالعمارة العثمانية في تونس العاصمة.

الدور الديني والاجتماعي

كان الجامع الحنفي بزغوان مركزًا لأداء الصلوات وتدريس العلوم الشرعية، حيث تولّى الإشراف عليه أئمة وعلماء من المذهب الحنفي. ومع مرور الزمن، أصبح أيضًا فضاءً جامعًا لأهل المدينة في المناسبات الدينية والاجتماعية، ومَعْلَماً يدل على التنوع المذهبي والثراء الثقافي الذي عرفته تونس عبر العصور.

القيمة التراثية

يُعدّ الجامع الحنفي بزغوان من المعالم التي تُجسّد الحضور العثماني بالبلاد التونسية في جانبه الديني والمعماري. وهو يكمّل صورة التنوّع المعماري لمدينة زغوان، التي تحتضن معابد رومانية، وجوامع أندلسية، ومنشآت عثمانية. كما يُصنّف اليوم من المعالم التاريخية المحمية، التي تستدعي العناية والصيانة للحفاظ على هويتها ونقلها إلى الأجيال القادمة.

كما يعتبر الجامع الحنفي بزغوان – بقطع النّظر عن كونه معلما دينيّا هامّا من حيث خصائصه المعماريّة الأندلسيّة والتي برزت بداية القرن السّابع عشر بتونس مع قدوم المهاجرين الأندلسيّين – عمارة اعتمدت جدران حجارة وسواري قديمة بتيجانها متناسقة الهيكلة العموديّة وأسقف مقبّبة بالأجر القالب (الطّين المحروق).

إنّ الجامع المذكور يُمثّل أثرا تاريخيّا هامّا للبلاد التونسيّة بحيث أنّ تاريخ إنجازه (1030هـ/1621م) هو نفس التاريخ الذي وصلت فيه مياه زغوان من جديد إلى الحاضرة تونس، عبر الحنايا القديمة بعد إصلاحها زمن حكم يوسف داي لتزويد عديد الأسبلة، وكان أهمّها سبيل أسفل صومعة الجامع الأعظم، جامع الزّيتونة المعمور، وسبيل جامع يوسف داي.